24 نوفمبر 2024 | 22 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

الشيخ التومي: ليبيا تشهد نهضة قرآنية معتمدة على رواية قالون عن نافع

15 يونيو 2014

**في بلادي من العيب ألا يوجد في البيت الواحد ولو حافظ واحد للقرآن وأهالينا تناقلوا القرآن كابراً عن كابر، وخلفاً عن سلف

** المشايخ القائمون على التدريس اهتموا بعلوم الرسم والضبط فحفِظوا وحفّظوا الطلبة رسم القرآن عن ظهر قلب

** التلقين العملي أن يستمع الطالب إلى قراءة الشيخ آية آية أو مقطعاً مقطعاً ثم يردد ما سمعه على نحو ما سمع

** المحن تحولت إلى منح بالتوجه إلى حفظ القرآن والجلوس في حلق الذكر وتفرغ الطلاب لحفظ وتجويد هذا الكتاب العظيم

** الإملاء والكتابة الطريقة المثلى والأكثر انتشاراً في ليبيا وذلك لتضمنها لطريقة التلقين بالإضافة إلى الكتابة

جاءت مشاركة 107 متسابقين من 57 دولة في جائزة الكويت الدولية لحفظ القرآن الكريم وقراءاته وتجويد تلاوته بدورتها الخامسة، لتعكس قيمة هذه الجائزة وأهميتها من ناحية، وتظهر إقبال الشباب على كتاب الله تلاوة وحفظا وفهما وتدبرا، واهتمام العديد من الدول والمؤسسات الإسلامية بمراكز تحفيظ القرىن الكريم.

فوز الشاب الليبي عبدالرحمن البشير بالمركز الثالث في فرع حفظ القرآن الكريم كاملا بجائزة الكويت الدولية، يفتح المجال لتسليط الضوء على التجربة القرآنية في ليبيا، ومدى الاهتمام بكتاب الله، خاصة أن كل حافظ من هذه الكوكبة التي فازت بفروع الجائزة نشأ في بيئة لها خبراتها وتقاليدها في مجال تحفيظ القرآن الكريم.

الشيخ عبدالكريم سليمان التومي أحد المسؤولين عن تحفيظ القرآن الكريم في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الليبية يروي تجربة بلاده مع القرآن الكريم قائلا : أن أهل ليبيا تناقلوا القرآن كابراً عن كابر، وخلفاً عن سلف، كما اهتموا بعلومه من عقيدة وتفسير وفقه وتجويد ورسم وضبط، وكان من أهم العوامل المساعدة على ذلك توسط (ليبيا) بين منارتين من أعظم المنارات التي عرفها المسلمون، وهما الأزهر الشريف والزيتونة المباركة.

الأزهر والزيتونة

وأضاف الشيخ التومي إنه في الوقت الذي غلب فيه الطلبة العائدون من الأزهر جانب الفقه، فإن طلبة الزيتونة كان لهم اهتمام خاص بعلوم القرآن الكريم من تفسير ورسم وضبط وعد وإتقان، و من هنا نشأت نهضة قرآنية عامة شملت معظم أنحاء ليبيا معتمدة على رواية قالون عن نافع كأساس لتدريس القرآن، وجُعل إتقانها حفظاً وأصولاً وأساساً لانتقال الطالب لدراسة الروايات الأخرى.

وأشار إلى أن المشايخ القائمين على التدريس اهتموا بعلوم الرسم والضبط، فحفِظوا وحفّظوا الطلبة رسم القرآن عن ظهر قلب، وكذا الضبط القرآني، وكان لهم في علم الرسم مدرستان: الأولى: ما اختاره الإمام الداني ، وهي الأشهر اليوم، والثانية: ما اختارها الإمام سليمان بن داوود بن نجاح، واشتهرت باسم الخراز لكون انتشارها في ليبيا إنما كان عن طريق منظومة الخراز (مورد الظمآن)، لافتا إلى ان حفاظ ومحفظي القرآن الكريم اجتهدوا في تعليم الصبيان والكبار قواعد وأصول الرسم والضبط إلى جانب حفظ الرسم والضبط غيباً عن ظهر قلب، واستفادوا في ذلك من كتب الأئمة المتقدمين كالمقنع ومورد الظمآن والعقيلة، إلى جانب بعض الأبيات والحكم باللهجة المحلية والتي من شأنها ترسيخ الرسم والضبط في نفوس طلبة القرآن الكريم.

وأردف قائلا: ومع مرور الوقت ارتبطت القرى والمدن بحفظ القرآن الكريم، حتى صار في كثير من البلاد من العيب ألا يوجد في البيت الواحد ولو حافظ واحد للقرآن، فأخذ حفظ القرآن بذلك الصبغة الاجتماعية علاوة على صبغته الدينية .

المحن والمنح

ومن لطف الله بعباده داهبت المحن ليبيا- كما يقول الشيخ التومي - لتنتج منحاً عظيمة وجليلة، فيوم أن أغلقت الجامعات والمعاهد الدينية وأوصدت أبوابها في وجه مريديها، وضُيِّق على حلق الفقه والعقيدة حتى كادت تحتضر، كان من لطف المولى عز وجل أن فتح على عباده من أبواب رحمته، فحبب إليهم حفظ القرآن والجلوس في حلق الذكر، وتفرغ الطلاب لحفظ وتجويد هذا الكتاب العظيم، وساعدهم على ذلك وجود المشايخ الناصحين الذين أفنوا أعمارهم في حفظ وتحفيظ القرآن الكريم، فانقلبت المحنة منحة، وأقبل الليبيون على تعلم القرآن أفرادا وجماعات، وامتلأت حلق الذكر بالمتعلمين حتى غُصَّت، فقامت نهضة قرآنية عظيمة لم تشهد لها البلاد مثيلاً.

طرق تدريس القرآن الكريم

وحول طرق تدريس القرآن الكريم في ليبيا قال الشيخ التومي لقد كان لرواية قالون عن نافع النصيب الأوفر، حيث انتشرت في طول البلاد وعرضها، بخلاف رواية ورش والتي اقتصر انتشارها تقريباً على المنطقة الجنوبية لليبيا، ومما حفّز طلبة القرآن الكريم على إتقان رواية الإمام قالون حفظاً وأصولاً اشتراط مشايخ وعلماء القراآت لمن أراد إتقان الروايات أن يكون ممن أتقن رواية قالون، وهذا مما ساهم في شحذ همم طلبة القرآن الكريم لإتقانها، وقد اعتمد مشايخنا الكرام في تدريسهم على طريقتين أساسيتين: الأولى طريقة التلقين العملي، والثانية طريقة الإماء والكتابة.

** الطريقة الأولى: التلقين العملي ويتم - كما هو معروف- بأن يجلس الطالب أمام الشيخ مباشرة ويستمع إلى قراءته آية آية، أو مقطعاً مقطعاً، ثم يردد وراءه ما سمعه على نحو ما سمع، مركزاً على طريقة نطق الشيخ وحركة فكه، ثم بعد الانتهاء من التلقين يقرأ الطالب على الشيخ ما تم تلقينه للتأكد من إتقانه للتلاوة، وبذا تتم أركان المشافهة، ومما يُلاحظ في التدريس بهذه الطريقة في ليبيا اشتراط أن يتم التلقين من حفظ الشيخ ودون استخدامه للمصحف ليكون أدعى لاستحضاره للآيات، وأشحذ لهمة الطالب. وقد يتم التلقين والترديد بصورة جماعية، لكن مع اشتراط القراءة الفردية لكل طالب على حدة بعد الانتهاء من التلقين الجماعي.

**الطريقة الثانية: الإملاء والكتابة وهي الطريقة الأكثر انتشاراً في ليبيا (متبعة في حوالي ثلاثة أرباع حلق التحفيظ)، وذلك لتضمنها لطريقة التلقين بالإضافة إلى الكتابة، وهذا ما جعل منها الطريقة المثلى للتدريس في ليبيا، وقد آتت بالفعل أكلها، فمعظم الطلبة المتحصلين على التراتيب الأولى في المسابقات الدولية هم ممن تعلم بهذه الطريقة، إما على المذكرات الورقية، أو باستخدام الطريقة التقليدية، وهي طريقة الكتابة على اللوح، ولهذه الطريقة ما يُميزها، من حيث الحفاظ لى الرسم والضبط، إلى جانب التجويد وأصول الرواية، وكذلك تحسين الخط والإملاء. وأهم ما يُميز هذه الطريقة من حيث جودة ومتانة الحفظ هو إمرار الآيات المراد حفظها على القلب أكثر من ثلاث مرات، قبل إكمال الكتابة والبدء في عملية التلقين ، وبذلك يرسخ الحفظ ويثبت في ذهن الطالب.

مراحل الكتابة على الألواح

وللكتابة على الألواح مراحل، يجملها الشيخ التومي في البيان التالي:

أولاً: مرحلة الكتابة: ويتم فيها التأكد من النطق السليم للآية وذلك من خلال:

1- إمرار الآية المكتوبة عبر البصر إلى القلب ثم اللسان ونطقها النطق السليم، فإذا ما تأكد الشيخ من صحة الآية فإنه يُملل على الطالب ما بعدها.

2- يسمع الطالب الآية من الشيخ ثم يمررها عبر القلب إلى اللسان، فيكررها كما سمعها من الشيخ.

3- بعد ذلك يُمرر الطالب الآية من قلبه بعد أن وعاها إلى الأنامل لخطها وكتابتها على اللوح.

4- بعد التأكد من كتابة الآية الكتابة الصحيحة، يقوم الطالب بإمرارها عبر البصر ثم القلب إلى اللسان مرة أخرى للتأكد من نطقها.

5- فإذا ما أحسن الطالب كتابة وضبط الآية ينتقل للآية الموالية لها، وهكذا حتى يُنجز كتابة المقدار المحدد له من الشيخ.

ثانياً: مرحلة التصحيح: ويتم فيها تصحيح المكتوب نطقاً ورسماً وضبطاً، وتتم عبر ثلاث مراحل أساسية:

1- تصحيح الطالب لنفسه: بحيث يمر على المكتوب كاملاً بتأن وتدقيق للتأكد من صحته وسلامته من الأخطاء الإملائية.

2- تصحيح الطلبة المتقدمين: وفي ذلك تكون المنافسة بين الطلبة ، حيث يعد من النقص والخلل أن يجد الطالب المتقدم شيئاً من الخطأ في لوحه.

3- تصحيح وتلقين الشيخ المدرس: ويُعتبر كالاعتماد لصحة المكتوب، بحيث لا يُسمح للطالب بمباشرة الحفظ إلا بعد تأكد الشيخ من صحته، وتوقيعه أسفل اللوح أو المذكرة إيذاناً بالسماح للطالب بمباشرة عملية الحفظ من المكتوب.

ثالثاً: مرحلة الحفظ: بعد التصحيح ينتقل الطالب للتلاوة والحفظ بصوت متوسط داخل قاعة التدريس، والتي توزع فيها المدرسون والمعاونون بحيث يمكنهم سماع وملاحظة أي خطأ يقع من الطلبة خلال عملية الحفظ، فيتم تداركه قبل أن يرسخ في ذهن الطالب.

رابعاً: عملية العرض : فإذا ما تأكد الشيخ من جودة الحفظ ومطابقة المحفوظ لما تلقاه عن مشايخه الكرام، فإنه يأذن للطالب بمحو اللوح، استعداداً ليوم آخر من الكتابة والتصحيح والحفظ والعرض.

ولتقوية الحفظ وترسيخه- كما يرصد الشيخ التومي- فإن ذلك يتم بالطرق التالية:

1- امتحانات الحلقة: وفيها يجمع الشيخ طلابه (كلهم أو بعضهم) في حلقة واحدة، ويُلقي عليهم أوائل الأثمان أو الأرباع ليُكملوها من حفظهم، ويُختار لهذا الامتحان أكثر الأثمان تشابهاً ، والتي يستعد لها الطلاب استعداداً خاصاً، ويُسمونها أثمان الحلقة، إشارة للاستعداد للامتحان بها.

2- متابعة الحفظ: وفيه يتم عرض مقدار معين من القرآن الكريم يومياً، يتراوح من نصف حزب إلى جزء، بحسب مستوى الطالب، وتُسجل نتيجة الطالب في الحفظ والتجويد في نموذج متابعة معدٌ مسبقاً لهذا الغرض.

3- عرض الأرباع: وفيها يتم توزيع الطلبة المتقدمين على المدرسين بحيث يتابعونهم في الحفظ، وذلك بعرض الأرباع (ربع البقرة، ربع الأعراف، ربع مريم، ربع يس)، في جلسة واحدة أو عدة جلسات على ألا تتجاوز أربع جلسات، كما يتم تسجيل نتيجة الطالب في الحفظ والتجويد في نفس النموذج المعدّ لمتابعة الحفظ.

خالص الشكر والتقدير للشيخ عبدالكريم سليمان التومي أحد المسؤولين عن تحفيظ القرآن الكريم في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الليبية، آملين له المزيد من التوفيق في هذه المسيرة القرآنية العطرة، والله نسأل أن يرزقنا تلاوة القران اناء الليل وأطراف النهار على وجه الذى يرضيه عنا.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت